"سماء غير آمنة".. معاناة شركات الطيران وسط الحروب

بداية من عام 2022، حظرت روسيا الطائرات الأميركية والأوروبية من التحليق في مجالها الجوي، ردا على العقوبات التي فرضها الغرب عليها بسبب الحرب على أوكرانيا.

وتغطي مساحة روسيا الشاسعة 11 منطقة زمنية، ما جعل الموقف معقدا على الطائرات الغربية، ويقول طيار رفض الكشف عن اسمه في حديث لوكالة "فرانس بس" عن الحظر الروسي: "يمكن القول بإننا الآن محاصرون، سبق وأن شهدنا قيودا مختلفة لكن ليس مثل هذا الوضع".

وبسبب الحظر الروسي يقول الطيار: "لم يعد بمقدورنا الآن التحليق فوق مساحة ضخمة من الكرة الأرضية، لتفادي دخول الأجواء الروسية".

القرار الروسي يتسبب في إطالة مدة الرحلات، وبالتالي تكلفتها، ولجأت شركات الطيران إلى ما يشبه "الثقوب الصغيرة" للمرور عبرها في الجو، مثل سماء أذبيجان المحصورة بين روسيا وإيران، خلال رحلاتها بين أوروبيا وآسيا.

وتعاني الشركات في نقطة عبور جوي أخرى في رحلاتها المتجهة إلى الشرق، حيث تحلق الطائرات في العراق تحت ارتفاع 32 ألف قدم "9 آلاف و750 مترا" بفارق ضئيل عن السقف المحدد للطائرات.

وتتعرض الطائرات إلى خطر مرتفع بسبب وجود ما يعرف المضادات الجوية وعمليات القصف الصاروخي وظهور طائرات مسيرة في المجال الجوي بشكل مباغت، وفقا للوكالة الأوروبية للسلامة الجوية.

وتمر الشركات من ثقب آخر طويل، وهو ممر البحر الأحمر الجوي، وتضطر الطائرات لدخول أجواء السودان واليمن وسط مخاطر كبيرة بسبب توتر الأوضاع هناك.

وتقابل الشركات التابعة لبعض الدول مثل الصين وتركيا، تعليمات السلامة بالتجاهل، ولا تلتزم بها، إذ تصر شركات هذه الدول على عبور أجواء إيران حتى بعد التوتر بين طهران وإسرائيل.

مرور هذه الشركات من الأجواء المحظورة وفقا لتعليمات السلامة الدولية، يجعل المنافسة مع شركات الطيران الغربية صعبة، بسبب التزامها بالرحلات ذات المسار الأطول والتكلفة الأعلى.

وتكسب شركات الصين وتركيا ومثيلاتها من المخاطرة بالمرور في الأجواء المحظورة، بينما تتكبد الشركات المنافسة الخسائر.

وتلتزم شركات الطيران الفرنسية على سبيل المثال بتعليمات الإدارة العامة للطيران المدني، التي شكلت منذ 10 سنوات ما يعرف باسم "مجموعة تحليل المخاطر – باراك"، حيث تنص مع أجهزة الاستخبارات وسلاح الجو والفضاء، لأقصى درجات السلامة.

وأشارت مسؤولة كبيرة في المديرية العامة للطيران المدني، أن إسقاط الرحلة "إم إتش 17" التابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق شرق أوكرانيا بصاروخ أرض جو عام 2014، كان سببا لصدمة عالمية.

وحثت حادثة أوكرانيا شركات الطيران على التعامل بشكل أكثر جدية مع التهديدات المحتملة مهما كانت نسبتها منخفضة، لتفادي التحليق فوق بلدان تمثل خطرا على حياة الركاب.

وقالت المسؤولة لوكالة "فرانس برس" والتي رفضت الكشف عن اسمها، إنها تسعى لتحديد "موقف متوازن"، بين فرض حظر تام أو جزئي أو ربطه بعلو الطائرة، مع إقرارها بأن الأمور ازدادت تعقيدا مع تصاعد النزاعات في أماكن متفرقة بالعالم.

المخاطر المحيطة بالطيران المدني لا تتوقف، فقد بات العالم يخشى تكرار كابوس طائرة فلوريدا التي تعرضت لإطلاق نار أثنار محاولتها الهبوط في بورت أو برنس عاصمة هايتي، الاثنين 11 نوفمبر الجاري.

وقالت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية إن الطائرة التابعة لشركة بيريت إيرلاينز، المنطلقة من فلوريدا، حولت مسارها إلى جمهورية الدومنيكان المجاروة، بعد إصابة مضيفة طيران بإصابات طفيفة خلال الحادث، وفقا لقناة "سي بي إس نيوز".

وحولت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية مسار رحلات أخرى كانت متجهة إلى مطار توسان لفورتور الدولي في عاصمة هايتي كإجراء احترازي، خوفا من تكرار الحادث، قبل أن يغلق المطار تماما.

طائرة فلوريدا تعرضت لثقوب من طلقات الرصاص بالقرب من الجزء الخلفي للمقصورة، وتعرضت لضرر في حجرة علوية فوق صف مقاعد الركاب.

الرحلة رقم 951 باتت تمثل كابوسا لشركات الطيران في العالم، حيث يُمكن أن تتعرض الطائرات الأخرى لوقائع مماثلة في المواقع التي تعاني الانفلات الأمني أو النزاعات المسلحة، وليس فقط البلاد التي تخوض حروبا.