الحرس الثوري.. من عباءة المرشد إلى حكم إيران؟
تسببت الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران في زعزعة غير مسبوقة داخل أركان النظام الحاكم، إذ استهدفت مباشرة العمود الفقري للقوة العسكرية الإيرانية: "الحرس الثوري".
وبينما تعكس تلك الضربات سعي إسرائيل إلى كبح نفوذ طهران العسكري، فإنها في المقابل تمهّد الطريق لتحولات عميقة في بنية السلطة الإيرانية قد تنتهي بسيطرة كاملة للحرس الثوري على البلاد، وربما بظهور نظام أكثر تطرفًا وعداءً لإسرائي، بحسب تقرير
صحيفة وول ستريت جورنال.
خلال الأيام الماضية، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري، بينهم قائد بارز ومهندس البرنامج الصاروخي الإيراني. وردّ الحرس بسلسلة هجمات صاروخية يومية على تل أبيب، طالت مواقع عسكرية ومستشفى مدني، محذرًا الولايات المتحدة من التدخل.
تضع هذه المواجهة إيران في موقف هو الأخطر منذ عقود، إذ إن بقاء المرشد الأعلى، علي خامنئي، في الحكم يعتمد إلى حد كبير على ولاء الحرس الثوري.
في المقابل، بات الحرس يتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي ضخم يجعله القوة الوحيدة القادرة على وراثة الحكم.
الحكم.. من المرشد إلى حملة البنادق
وفي حال مقتل خامنئي أو إطاحته، يُرجَّح أن يتولى الحرس تعيين خلفه ويكرّس لنفسه سلطات غير مسبوقة.
يقول الباحث في شؤون إيران، راي تقية، إن "موازين القوى داخل إيران تميل لصالح الحرس، وإذا سقط النظام الحالي فإن الذين سيقودون المرحلة المقبلة هم حملة البنادق".
ومنذ تأسيسه عام 1979، يمثّل الحرس الثوري الذراع الأقوى في المؤسسة العسكرية الإيرانية، ويتفوّق حتى على الجيش النظامي. يضمّ نحو 125 ألف عنصر، إضافة إلى قواته البرية والبحرية والجوية والاستخباراتية والخاصة.
كما يهيمن على قطاعات واسعة من الاقتصاد، تشمل النفط والغاز والبناء والاتصالات، ويتاجر بالسلع الاستهلاكية ويدير مئات الشركات المرتبطة بالمؤسسات الخيرية شبه الحكومية.
في عام 2019، صنّفت الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية صارمة. وفي 2020، اغتالت واشنطن قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، أبرز قادة الحرس في الخارج.
وفقًا للخبير علي ألفونه، فإن هيمنة الحرس تشبه سيطرة الجيوش على الحكم مع فرق أن الحرس الثوري متغلغل أيضًا في نسيج المجتمع الإيراني من خلال ميليشيا "البسيج"، التي تلعب دورًا أمنيًا واجتماعيًا وتقدم خدمات تعليمية ورياضية للفقراء، وتُستخدم أيضًا لقمع الاحتجاجات.
ورغم الخسائر البشرية، لا يزال الحرس يحتفظ بوحدته التنظيمية وقدرته على الرد، ويُتوقّع أن يعتمد عليه النظام في فرض الأمن الداخلي إذا تدهور الوضع، خصوصًا في حال فرضت قوى أجنبية حصارًا أو منطقة حظر جوي على البلاد.
ويضيف ألفونه: "الحرس الثوري قادر على خوض حرب أهلية والانتصار فيها، حتى لو دُعمت المعارضة من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة".
ويتكون هيكل قيادة الحرس من مجموعة غير رسمية من القادة الحاليين والسابقين، بينهم شخصيات بارزة خاضت حرب إيران مع العراق في الثمانينيات، وهي الحرب التي ما زالت تشكل جوهر العقيدة العسكرية والدينية للحرس، وتغذّي رؤيته العدائية تجاه الغرب.
لكن في ظل الحرب الحالية، تزداد الانتقادات داخل صفوف الحرس نفسه. بعض القادة الشباب الذين خاضوا معارك في العراق وسوريا ولبنان واليمن يرون أن القيادات العليا فشلت في الردع المناسب، ويطالبون بمواقف أكثر تشددًا، منها تسليح البرنامج النووي.
وقد يؤدي اغتيال خامنئي، بحسب الباحث أفشون أوستوفار، إلى دفع البلاد نحو انقلاب عسكري يعيد تشكيل النظام على نحو أكثر عدوانية وتطرفًا.
ورغم كل هذا، يلفت الاقتصادي إسفنديار باتمانقليج إلى أن الحرس الثوري، بفضل تغلغله في مؤسسات الدولة والاقتصاد، سيحافظ على نفوذه حتى لو سقط النظام، محذّرًا من تجاهل هذا "الاستمرار البنيوي" في أي تحليل مستقبلي.
في النهاية، سواء انتصرت إيران أو هُزمت في الحرب الجارية مع إسرائيل، فإن طهران تقف على أعتاب لحظة مصيرية قد تغيّر شكلها إلى الأبد، ويكون الحرس الثوري هو اللاعب الحاسم في رسم ملامح المرحلة القادمة.