صراعات‎

الصحافة جريمة في غزة.. إسرائيل تستهدف "الكاميرا والسترة"

نشر
blinx
في غزة لا تُعتبر الكاميرا وسيلة نقل للواقع فحسب، بل تصبح سببًا كافيًا لاستهداف من يحملها، بحسب تحقيق مطول أعده موقع " ذا إنترسبت" الأميركي، رصد فيه وضع الصحافيين والإعلاميين العاملين في القطاع.
يوم الاثنين الماضي، كان الصحافي إبراهيم أبو غزالة متوجهًا إلى مقهى "البقعة" قرب شاطئ غزة، حيث اعتاد الصحافيون الالتقاء ومحاولة استئناف الحياة وسط الركام. وقبل أن يصل، سقط صاروخ إسرائيلي على المبنى، لقي صديقه وزميله إسماعيل أبو حطب حتفه، وأصيب آخرون، من بينهم أكثر من عشرين مدنيا.
أبو حطب كان مخرجا ومؤسس شركة إنتاج تلفزيوني. يتحدث عنه أبو غزالة بألم: "كان يخدم شعبه، يصوّر معاناة الناس في غزة، ويحكيها للعالم عبر الكاميرا". ويضيف: "في غزة، الكاميرا تهديد، إن رأيت الحقيقة وقررت توثيقها، تصبح هدفا".

الاستهداف الممنهج

منذ السابع من أكتوبر 2023، اغتالت إسرائيل ما يزيد عن 230 صحافيا فلسطينيا. وبحسب شهادات من صحافيين تحدثوا لـ"ذا إنترسبت"، فإن الهجمات ليست عشوائية، بل تأتي بعد تهديدات مباشرة أو استهداف واضح لمن يرتدون سترات الصحافة.
تصف الصحافية يمنى السيد، وهي أم لأربعة أطفال، اللحظات الأولى من الهجوم الإسرائيلي: "كنت أركض بحذائي الثقيل وسترتي الواقية، بينما الصواريخ تهبط قربنا... الصدمة تصمّ الأذنين، الصوت يختفي، ولا يبقى سوى الغريزة للهرب".
في أحد الأيام، تلقى زوجها اتصالًا من ضابط في الجيش الإسرائيلي يقول له: "نعرف من أنت. خذ زوجتك وأطفالك وغادر، وإلا ستموتون خلال ساعات". بعدها بيومين، حاصرت الدبابات الإسرائيلية المبنى وأطلقت النار على النوافذ. ثم قصفوا بوابة البناية: "صرخنا جميعًا. كانت 15 دقيقة من الجحيم، ثم قالوا عبر مكبر الصوت: أمامكم خمس دقائق للخروج"، بحسب ما تروي السيد للموقع الأميركي.

عندما تكون الصحافة تهمة

الصحافي محمد محويش تلقى تهديدًا مباشرًا في ديسمبر 2023. قال له ضابط إسرائيلي: "غادر منزلك الآن، وإلا سنقصفه". كان يقيم في بناية من ثلاثة طوابق مع عائلته. في صباح اليوم التالي، قصفت إسرائيل المنزل. نجا محويش، لكنه فقد العديد من أقاربه وأصدقائه.
أما الصحافي الشاب حسن حماد لم يُمنح خيار النجاة، تلقى رسالة تقول: "أنت التالي إذا واصلت التصوير"، وفي أكتوبر 2024، قصف الجيش الإسرائيلي منزله وقتله.
أما محمد السواف، المخرج المعروف ومؤسس شركة "ألف ميديا"، فقد 47 فردًا من عائلته في قصف منزله في نوفمبر 2023، من بينهم والداه وأشقاؤه وأطفالهم. بعد ذلك بأسابيع، قُصف منزل آخر كان يختبئ فيه مع أشقائه منتصر ومروان، فقتل كلاهما.
السواف، الذي أصيب هو أيضًا، يقول: "أحاول النهوض لأواصل رسالتنا".

"لا نملك أي حماية"

إبراهيم أبو غزالة، الذي بدأ العمل الصحافي في عمر السادسة عشرة، يتنقل حاليًا بين مخيمات النزوح بعد أن دُمّر منزله واستُهدف عشرات من زملائه. يقول: "الصحافي هنا لا يملك أي حماية. بل يُطارد. لكن رغم الخطر، لا يمكننا التراجع. لقد أصبحت الحقيقة أمانة أخلاقية أكثر منها مهنة".
تقول يمنى السيد: "في ثلاثة أشهر، نزحنا ست مرات. وخلال كل ذلك، كنت أواصل التغطية. كنت أتكلم عن معاناة الأمهات، بينما أطفالي هم أنفسهم ينامون جائعين".
في يناير 2024، اضطرت يمنى وعائلتها إلى مغادرة غزة نحو مصر. أما محويش، فغادر في أبريل برفقة زوجته وطفله، وقال: "في النهاية، الصحافي قد يصبح هو القصة قبل أن ينقل القصة".
بينما لا يزال السواف وأبو غزالة في غزة، يعانيان الجوع والدمار، وسط حصار خانق. يقول أبو غزالة: "الأسواق خالية، والطعام القليل الذي يصل فاسد، الأطفال يتسممون".
يختم محويش بقوله: "الصحافي الفلسطيني لا يستطيع أن يفصل بين نفسه وبين المأساة التي يعيشها. نحن لا نغطي الأحداث فقط، نحن ضحاياها أيضًا".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة