يعرف الفرنسي لاسانا ديارا بكونه أحد اللاعبين "الرحالة"، إذ مثل أندية عدة بينها أسماء كبيرة مثل ريال مدريد وتشيلسي وباريس سان جيرمان، كما ارتدى قميص منتخب فرنسا في 34 مباراة.

وخلال تجواله الدولي، حل ديارا بفريق لوكوموتيف موسكو الروسي في أغسطس 2013 بعقد لمدة 4 أعوام، قبل أن ينهي عقده بعد عام، بسبب عدم رضاءه عن نظام تخفيض الرواتب والاستقطاعات المستمرة.

وبدوره، قدم النادي الروسي شكوى للفيا ضد اللاعب الفرنسي، بحجة انتهاك القوانين، وقيامه بإنهاء العقد من طرف واحد، قبل أن يحكم الفيفا لصالح النادي الروسي في 2015.

ولاحقا، أقرت محكمة التحكيم الرياضية "كاس" الحكم، الذي ألزم ديارا بدفع 10 ملايين يورو للنادي الروسي بسبب إنهاء العقد من قبله بدون (سبب مشروع).

وفيما كان ديارا يستعد للانتقال إلى فريق شارلروا البلجيكي، حذر الفيفا الأخير بضرورة المساهمة في دفع جزء من الغرامة قبل التوقيع مع اللاعب، لينسحب من الصفقة.

وقام ديار برفع دعوى قضائية ضد الفيفا لدى المحكمة الأوروبية ببروكسل، والتي حكمت الجمعة لصالحه.

استند الحكم في بطلان الحكم السابق للفيفا على البند الخاص في قوانين الاتحاد الأوروبي، والذي يتيح حرية التنقل للعمل داخل السوق الأوروبية الموحدة، إذ رأت المحكمة الأوروبية أن قواعد الفيفا، بما فيها تلك التي أدت إلى رفض منح ديارا شهادة انتقال دولية (ITC) للانتقال إلى شارلروا، قيدت حريته في التنقل.

وفيما يتعلق بالمرحلة المقبلة في القضية، ستقوم المحكمة الأوروبية بإيداع الحكم لدى محكمة النقض الأوروبية في بلجيكا، والتي عادة ما يستغرق زمن دراستها للحكم سنوات وليس أشهر.

مع صدور الحكم لصالح لاسانا، اتجه الخبراء إلى مقارنته بحكم سابق من المحكمة ذاتها لصالح النجم البلجيكي جان مارك بوسمان في 1995 ضد قوانين الفيفا التي كانت تمنع وقتها انتقال أي لاعب لناد آخر بدون موافقة ناديه الحالي، حتى بعد نهاية عقده.

وكان بوسمان يود الانتقال من نادي لييج البلجيكي بعد نهاية عقده معه إلى نادي دونكيرك الفرنسي، لكن الأخير رفض الصفقة، قبل أن يقاضى النادي والفيفا، ويحصل على حكم لصالحه في 1995، بعد 5 سنوات من دراسة القضية.

ومنذ تلك الفترة باتت يحق لكل لاعب انتهى عقده الانتقال مجانا إلى أي نادي يرغب في اللعب، ما شكل ثورة في عالم الانتقالات.

والآن، رغم تشابه وضع لاسانا وحصوله على حكم ضد الفيفا ومن المحكمة ذاتها، وأيضا عبر نفس محامي بوسمان، وهو المحامي الفرنسي جان لويس دوبون، بحسب أسوشيتد برس، فإن خبراء يرون بأن "حكم ديارا" لن يحدث تغييرا جذريا في نظام الانتقالات، لكنه بالمقابل سيحدث هزات عنيفة في بنيته ونسقه الراهن.

وفي هذا السياق، قال إيان غيلز، المحامي الشريك في شركة نورتون روز فولبرايت البريطانية للمحاماة: " القرار في الأساس يقول إن النظام الحالي مقيد للغاية وبالتالي يجب تغييره.. لذا من المحتمل أن يمنح هذا الأمر، النجوم شعورا بقدرتهم على فسخ العقود والتوقيع مع أندية جديدة، دون أن يتمكن النادي البائع من الاحتفاظ بهم أو المطالبة برسوم انتقال كبيرة".

وأضاف في تصريحاته لـ “أسوشيتد برس": "من الممكن أيضا أن يؤدي هذا إلى انخفاض رسوم الانتقال وزيادة القوة الاقتصادية للاعبين، لكن بمرور الوقت يجب أن تستقر الأمور للسماح للأندية بالبقاء قابلة للاستمرار اقتصاديا".

ومن جهة أخرى، سوف تستمر التحليلات وتوقع ما يمكن أن ينتج عنه، لكن احتمال حدوث ثورة حقيقة في عالم الانتقالات قد يبدو واردا جدا، خصوصا، وأن تأثير الحكم لصالح بوسمان لم يظهر إلا بعد 6 أعوام، عندما غير الفيفا رسميا قوانين الانتقالات في 2001، والتي اصطلح عليها بـ"قانون بوسمان".

رغم الاختراق الكبير لقانون بوسمان ومنحه اللاعبين حرية التفاوض مع الأندية بمجرد دخولهم الأشهر الستة الأخيرة في عقودهم، ومن ثم الانتقال مجانا بعد نهاية العقد، لكن الأندية التي ظلت تلعب دورا محوريا في سوق صناعة كرة القدم، إذ نجحت في خلق عرف استثماري أثبت جدواه، يتمثل في صناعة الأندية الصغيرة للنجوم، وربطهم بعقود طويلة، قبل بيعهم للكبار وحصد العائد المادي.

لكن الآن، قد يبدو هذا الأمر مهددا، إذ من الممكن أن ينهي حكم لاسانا ديارا سيطرتها على اللاعبين، ما يحرمها بالتالي من رسوم انتقالات ضخمة كانت تجنيها، حيث لن يكون بمقدورها الهيمنة على اللاعبين، حتى وإن كانوا تحت عقودهم.

وبدورها، حذرت رابطة الأندية الأوروبية، والتي تمثل أكثر من 700 ناديا، من تهديدات محتملة لمستقبل صناعة كرة القدم جراء تداعيات قضية ديارا.

وأكدت الرابطة أن رسوم الانتقالات ظلت "وسيلة فعالة لتوزيع الثروة من الأندية الأكبر إلى الأندية الأصغر".

رغم تقبله للحكم، فإن الفيفا بات يستشعر خطرا جديدا، يتمثل في خسائره المستمرة قضائيا.

وبجانب كسب ديارا لحكمه ضد الفيفا، سبق وأن خسر الفيفا قضية مهمة أمام ذات المحكمة، وهي قضية منع قيام دوري السوبر الأوروبي.

والآن، يواجه فيفا شبح قضية جديدة ضده، هذه المرة من اتحاد اللاعبين المحترفين العالمي "فيفبرو"، بسبب إنهاك اللاعبين بتضخيم روزنامة الأحداث، مثل زيادة عدد منتخبات كأس العالم من 32 إلى 48 منتخبا، واختراع بطولة جديدة، وهي مونديال الأندية الذي سيقام كل 4 أعوام بمشاركة 32 فريقا.

وقد تعطي هذه الخسائر والشكاوى المهمة انطباعا سلبيا، عن تراجع سمعة وصيت الفيفا، وهو أمر قد ينعكس على شكل كرة القدم التقليدي، باعتباره حاكما لها.