محمد صلاح.. نجم غير قواعد اللعبة في المجتمع البريطاني

في نوفمبر الماضي، وخلال استضافته في معرض الشارقة الدولي للكتاب، سلط محمد صلاح الضوء على تجربته الناجحة مع ليفربول، وأشار إلى الفائدة الكبيرة لتي جناها من فترته المخيبة مع تشيلسي بين 2014 و2015.

وقال صلاح: "تجربتي مع تشيلسي لم تكن ناجحة أبدا، وعندها بدأت أنظر للحياة بمنظور مختلف، بدأت أتثقف وأقرأ كثيرا، وفعلا تغيرت واستفدت كثيرا من كتب علم النفس".

وفي خضم النجاح اللاحق مع ليفربول، قد لا يكون صلاح قد استفاد من تجربة تشيلسي فنيا فقط، إذ قرأ على الأرجح العقلية الإنكليزية بشكل كاف، وقام بتحليلها بذكاء خارق.

وبشكل عام تقوم العقلية الإنكليزية على القناعة بالقوة الناعمة "Soft Power"، فبها تؤثر، وكذلك تتأثر.

وفي هذا السياق، نشرت فاينانشيال تايمز البريطانية في 2019 تقريرا مطولا امتدحت فيه البريميرليغ كأبرز قوة ناعمة للبلاد عالميا، وقالت إنه كدوري كرة قدم نجح في تجاوز فرقة البيتلز الشهيرة وروايات هاري بورتر، ليتربع، وقتها، مع الملكة الراحلة إليزابيث، كأبرز وجهين لقوة بريطانيا الناعمة.

وربما انطلق صلاح من هذا الاهتمام البريطاني بالقوة الناعمة، ليبدأ في تقديم نفسه كلاعب منضبط في الملعب وخارجه، مغلفا ذلك الانضباط، باعتزاز بهويته ومعتقده الديني.

ومنذ انضمامه إلى ليفربول في 2017، لم يحدث أن أثار النجم المصري جدلا سلبيا لا في الملعب ولا خارجه، وهو ما سمح له برسم صورة خاصة عنه وعن العربي المسلم عموما في مخيلة جمهور ليفربول والجمهور الإنكليزي بشكل عام.

ما إن وقع صلاح لليفربول في صيف 2017، قادما من روما مقابل 42 مليون يورو، حتى بدا في وضع بصمته الخاصة مع الفريق، وأنهى موسمه الأول بـ44 هدفا و14 تمريرة حاسمة في 52 مباراة بجميع المسابقات.. وأسس ذلك لعلاقة حب متينة بينه وبين جماهير ليفربول.

وقبل أن ينهي موسمه الأول، بات صلاح نغمة حلوة في شفاه الجماهير، ترددها مع كل هدف أو مهارة من الفرعون المصري.

وبلغ الولع بصلاح درجة أن تمدح جماهير ليفربول الإسلام كديانة، وتشير إلى عدم ممانعتها في اعتناقه من أجل نجمها المتألق في كتيبة المدرب الألماني السابق يورغن كلوب المرعبة.

وعلى منوال أغنية Good Enough لفرقة Dodgy الشهيرة، نسجت جماهير ليفربول لحنها في صلاح، وبدأت تردد: " إذا كان جيدا بما يكفي بالنسبة لك، فهو جيد بما يكفي بالنسبة لي.. إذا سجل بضعة أهداف أخرى، فسأصبح مسلما أيضا.. أريد أن أكون جالسا في المسجد".

وتغنت مجموعة أخرى بالفرعون المصري، وعلى أنغام ولحن أغنية" "You Are My Sunshine"، تغنت: "محمد صلاح هدية من الله.. لقد جاء من روما إلى ليفربول.. إنه يسجل الأهداف دائما، إنه أمر ممل تقريبا.. لذا من فضلكم لا تأخذوا محمد بعيدا عنا".

لم ينحصر تأثير الفرعون المصري في تصريح جماهير ليفربول باحترامها للمسلم الملهم الذي يمثله صلاح، بل نجح جناح ليفربول في إسكات صوت التطرف أيضا وإشاعة قيم التسامح في مدينة ليفربول.

وفي يونيو 2019، وجدت دارسة أجرتها جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، أنه ومنذ انضمام الجناح المصري إلى ليفربول في 2017، انخفض معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين في مقاطعة ميرسيسايد الواقعة في مدينة ليفربول، وذلك بنحو 18.9%.

وخلصت الدراسة التي حملت عنوان "هل يمكن أن يقلل المشاهير من التحيز؟ تأثير محمد صلاح على السلوكيات والمواقف المعادية للإسلام"، إلى أن نسبة التغريدات المسيئة للمسلمين لدى جماهير نادي ليفربول قد انخفضت بمقدار النصف مقارنة بجماهير بقية الأندية الأخرى.

وختمت الدارسة التي نشر نتائجها موقع "سكاي سبورتس": "هذه النتائج قد تكون دليلا على زيادة قبول الإسلام. تأثير المشاهير من الخارج أسهم بجعل المجتمعات أكثر إنسانية".

ونوه، المصدر ذاته، بتمسك صلاح بقيمه الإسلامية، بالتوازي مع احترام الديانات الأخرى، وقال: "لم يعتد المشجع الأوروبي على رؤية اللاعبين يسجدون لأداء صلاة إسلامية بعد تسجيل الأهداف"، مشيرا إلى أن هذا الأمر هو ما جعل الجماهير تربط بينه وبين المسجد كأيقونة إسلامية، لتنطلق عملية الاحترام الشامل والتوقف عن الكراهية ضد المسلمين، المنطلقة من تصورات نمطية بالية.

في هذا السياق، وخلال تصريحات لموقع "سكاي سبورتس"، قال مؤمن خان، رئيس أول مسجد في إنكلترا، عن مدى تأثير صلاح في تغيير الصورة النمطية عن الإسلام: "كان محمد صلاح نموذجا إيجابيا مطلقا في مجتمعنا.. لقد كسر حواجز التصورات السلبية التي يحملها المشجعون وعامة الناس عن المجتمع الإسلامي".

وأضاف: "دفع الطقس العبادي المتواضع والمهم الذي يقوم به على أرض الملعب عندما يسجل هدفا الناس إلى التساؤل: ماذا يفعل وماذا يبتغي من ذلك؟ لقد علم الناس الكثير من التسامح والتفاهم حول الإسلام.. إنه ليس لاعبا مبدعا على أرض الملعب فحسب، بل أيضا لاعب يغير قواعد اللعبة في المجتمع".