سوق الكتب في سوريا.. القراءة تتحدى أزمات السياسة
عادت مهنة بيع الكتب القديمة والحديثة في سوريا إلى الازدهار بعد سنوات من الركود والحظر في عهد النظام السابق، لاعتبارات سياسية وأمنية، وفقا لما أكده عبدالله أبو زينب، بائع الكتب المخضرم الذي أفنى أكثر من 50 عاما في هذه المهنة.
لطالما كانت سوريا موطنا لعشاق الكتب والمكتبات، حيث اشتهرت أسواقها بتوفير مختلف أنواع الكتب، من الأدب والشعر إلى الفلسفة والعلوم. ولم تقتصر هذه الأسواق على دمشق فقط، بل امتدت إلى مدن مثل حلب وحمص، مما جعلها مركزا ثقافيا في المنطقة.
ورغم الحظر الذي كانت تفرضه السلطات السورية في النظام السابق على تداول بعض الكتب لأسباب سياسية وأمنية، أقيمت فعاليات ثقافية كبرى تحت عنوان "أيام الثقافة السورية" في ديسمبر 2023 خلال فترة رئاسة بشار الأسد، حيث اشتملت على أكثر من 90 نشاطا متنوعا.
على جسر الرئيس سابقا، الحرية حاليا، عاد بائع الكتب المخضرم عبدالله أبو زينب لمزاولة مهنته من جديد بعد أن حرمته منها السلطات السورية في النظام السابق بداعي إشغال الطريق، بعد أن استولت على كنزه الثمين، مجموعة نادرة من أمهات الكتب، كما يقول لبلينكس.
وبصوت يحمل ذكريات طويلة من الشغف والمعاناة، يتحدث عبدالله أبو زينب عن سوق الكتب الذي كان مقامًا تحت الجسر الرئيسي في دمشق فيقول: "هذا السوق استمر لأكثر من 5 عقود، وكان ملاذا لكل عشاق الكتب، سواء من داخل سوريا أو من دول الجوار. اشتهرنا بتوفير الكتب النادرة بأسعار رمزية، مما جعله وجهة ثقافية فريدة".
يصف أبو زينب كما يحب أن يُنادى اللحظة التي وصفها بالقاسية، عندما أقدمت السلطات المحلية على إزالة السوق: "تفاجأنا بقرار إزالة السوق دون سابق إنذار، تم التعامل مع كتبنا بطريقة مهينة وداس بعض العناصر الكتب بالأقدام، وتمت مصادرة أغلبها دون أن تُعاد".
وخسر أبو زينب ما يقارب 100 مليون ليرة سورية "نتيجة لهذه الإجراءات".
في المجتمع السوري، كانت الكتب دائما نافذة للمعرفة ووسيلة لتوسيع الآفاق، حتى في أصعب الظروف، الإقبال المتزايد على القراءة في السنوات الأخيرة يعكس رغبة الناس في استعادة هويتهم الثقافية، خاصة مع توفر كتب كانت ممنوعة سابقا، مما ساعد على تنوع الخيارات المتاحة أمام القراء.
ووفقا لإحصائية نشرها اتحاد الناشرين السوريين عام 2023، تم بيع أكثر من 500 ألف نسخة من مختلف الكتب خلال المعارض المحلية والدولية.
وعن الإقبال على شراء الكتب، يقول أبو زينب: "مع عودة القراء الذين كانوا خارج البلاد أو الملتزمين منازلهم خوفًا من الأوضاع، نشهد اليوم شغفا كبيرا بالقراءة. عودة الناس من إدلب وتركيا وكافة الأقطار أسهمت في توسيع السوق، وأصبحنا نشهد حركة بيع واسعة".
رغم الألم الذي حملته الفترة الماضية، لم يفقد عبدالله وزملاؤه الأمل، مع التغيرات السياسية في البلاد، عادوا إلى العمل ليجدوا أن القراءة قد استعادت مكانتها.
وينوه أبو زينب إلى أن المنع في الماضي كان يطول العديد من الكتب، لكن مع سقوط النظام تبدلت الأحوال كليا، فأصبح في المتداول كتب كانت ممنوعة، والكتب العلمانية، وحتى الكتب الشيوعية، الجميع يجد ما يبحث عنه الآن.
رغم عودة سوق الكتب في سوريا إلى الانتعاش، ما زال باعة الكتب يتخوفون من أي تعود الأمور إلى سابق عهدها ويطالهم الملاحقات دون ذنب.
ويشير أبو زينب إلى أن مهنة بيع الكتب لا تحتاج إلى ترخيص وفق القانون السوري، ومع ذلك تعرض الباعة للعديد من المضايقات في السابق.
ويأمل أبو زينب أن تستمر حركة بيع الكتب بهذه الوتيرة المتسارعة، سيما وأن مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت قد سحبت من الأسواق العديد من القراء الذين كانوا شغوفين بالاطلاع والقراءة الورقية.
ليس ذلك فحسب، بل يرجو ألا تعانده السلطات في أي وقت آخر أو يكون عرضة لأي مشكلات تتعلق بالكتب، خاصة وأنه يعتبرها كنزه الذي لا يفنى.