شبكة سرّية تربط الحوثي والقاعدة.. وإيران في الخلفية
كشف تقرير لـ"منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال في اليمن" عن "تحالف متشابك بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن، برعاية مباشرة من إيران، يهدف إلى تقويض الدولة اليمنية"، وفق التقرير.
هذه العلاقة، التي بدأت بمبادرات تبادل أسرى، تطورت إلى تعاون عملياتي واستخباراتي وعسكري، تجلّى في إطلاق سراح مئات من عناصر القاعدة، وتزويدهم بالسلاح والتقنيات، بل والتنسيق لتنفيذ عمليات مشتركة ضد القوات الحكومية.
2015 لحظة التحول.. من العداء إلى تفاهمات سرية
في سبتمبر 2015، لعب الحوثيون دور الوسيط في صفقة تبادل بين إيران وتنظيم القاعدة، تضمنت إطلاق القاعدة سراح دبلوماسي إيراني مقابل إفراج طهران عن 5 من كبار قادة القاعدة.
مهّدت هذه الصفقة لتفاهمات أوسع برعاية خالد محمد صلاح الدين زيدان، المعروف بـ"سيف العدل"، أحد أبرز قيادات القاعدة، بحسب التقرير.
منذ تلك اللحظة، بدأت سلسلة من صفقات تبادل الأسرى، أُفرج بموجبها عن أكثر من 400 من عناصر القاعدة، بعضهم متورط في عمليات كبرى كمحاولة اغتيال الرئيس السابق عبدربه منصور هادي وتفجير المدمرة الأميركية "يو إس إس كول".
خالد سيف العدل.. المهندس العقائدي للتحالف
برز خالد نجل القيادي السابق في تنظيم القاعدة، "سيف العدل"، كشخصية محورية في تشكيل هذا التحالف، إذ روّج لفقه ما يُعرف بـ"التخادم" بين القاعدة وإيران.
وقد أكدت تقارير مجلس الأمن تحركاته في مأرب وشبوة والمهرة، حيث تولى التنسيق بين التنظيم وإيران عبر وسطاء محليين.
ويشير
تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2023 إلى تنقلات خالد بين المحافظات اليمنية وتوليه التنسيق اللوجستي والاستخباراتي بين الحوثيين والقاعدة.
دعم مشترك.. من التدريب إلى التسليح
- الموارد البشرية والاستقطاب
تشير التقارير إلى أن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي قام باستقطاب قيادات من القاعدة وداعش، ومنحهم هويات مزورة لتسهيل تحركاتهم. كما خضع عناصر التنظيمات الإرهابية لبرامج إعادة تأهيل فكرية في سجون مثل شملان بصنعاء، ليعاد دمجهم في جبهات القتال والخلايا التخريبية في المناطق المحررة.
وكشف تقرير منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال في اليمن عن حالات تعاون قيادات في القاعدة مع جماعة الحوثي، مثل عمار بنان (أبو صالح الديولي) القيادي في شبوة الذي قُتل بغارة أميركية، وحارث العزي وأبو الزرقاوي.
كما وثقت
الأمم المتحدة قيام الحوثيين بتجنيد مرتزقة من قبائل إثيوبية (تيغراي وأورومو)، برواتب شهرية تتراوح بين 80 و100 دولار، للقتال إلى جانبهم أو تنفيذ أعمال التهريب. كما تعاونوا مع جماعات مثل حركة الشباب وداعش في الصومال، وقدموا لهم السلاح والتدريب مقابل تنفيذ هجمات قرصنة في خليج عدن.
تشير التقارير إلى أنّ عناصر القاعدة تلقوا تدريبات على الطائرات المسيرة في معسكرات تابعة للحوثيين، أبرزها معسكر السوادية في البيضاء، بإشراف القيادي عمار بنان. كما تم تزويد التنظيم بمسيرات هجومية واستطلاعية، استخدم بعضها في هجمات على "قوات العمالقة" ودفاع شبوة وأبين. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن حزب الله ساعد الحوثيين في تطوير مهارات استخدام هذه التقنيات.
زودت جماعة الحوثي تنظيم القاعدة في اليمن بترسانة متنوعة من الأسلحة المتقدمة، شملت صواريخ حرارية موجهة روسية الصنع مثل "كورنيت"، بالإضافة إلى عبوات ناسفة يدوية الصنع، وألغام أرضية مضادة للأفراد والدروع، وفق التقرير.
كما تم تزويد التنظيم بكميات كبيرة من المواد شديدة الانفجار مثل مادة "سي 4" و "تي إن تي" بغرض إنتاج عبوات لاصقة لتفخيخ السيارات، وتم تهريب هذه المواد عبر وسطاء محليين، أبرزهم صقر بنان، الذي أشرف على نقلها من البيضاء إلى مناطق تمركز التنظيم في شبوة ومأرب.
وتشير تقارير استخباراتية مستقلة إلى أنّ بعض الشحنات تضمنت أيضاً صواريخ موجهة بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة توقيت متطورة لتفجير العبوات، فضلًا عن مناظير حرارية وأجهزة اتصالات مؤمّنة تُستخدم في تنسيق الهجمات وعمليات الاغتيال.
كما شملت بعض الشحنات طائرات مسيّرة مفخخة قصيرة المدى من نوع "قاصف كي 2" التي استخدمها القاعدة في استهداف نقاط تمركز للقوات الجنوبية في شبوة وأبين.
- الاستخبارات والعمليات المشتركة
تم التنسيق بين جهاز الأمن الحوثي وقيادات القاعدة لتبادل المعلومات حول تحركات القوات الحكومية. وكشف التقرير عن عمليات تنصت ونقل معلومات إلى القيادي "أبو القعقاع"، واستخدامها في هجمات نوعية. كما سُجّلت عمليات تسليم مواقع عسكرية من القاعدة للحوثيين في شبوة، وتنسيق عمليات استهداف القوات الحكومية في أبين عبر طائرات مسيرة تم تسليمها من الحوثيين.
لم يقتصر دعم الحوثيين لتنظيمي القاعدة وداعش على الدعم اللوجستي والعسكري، بل امتد إلى تمويل منظم عبر شبكة معقدة من شركات الصرافة والشركات الوهمية، تُستخدم للتحايل على العقوبات الدولية وتوفير السيولة اللازمة لأنشطتهم، وفقا لتقرير حديث نشرته منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن بعنوان
كيف تتحايل الجماعة الحوثية على العقوبات عبر الشركات التجارية؟
فقد استخدم الحوثيون شركات صرافة محلية مثل "عادل البدجي للصرافة" كغطاء بديل عن شركات خاضعة للعقوبات كـ"الرضوان للصرافة"، التي كانت سابقاً قناة مالية أساسية للجماعة. وتولت هذه الصرافات عمليات تحويل أموال إلى عناصر القاعدة وداعش، بما في ذلك دفع رواتب وتمويل أنشطة لوجستية وميدانية في مأرب وشبوة وتعز.
وبحسب تقرير خبراء الأمم المتحدة (2024)، أنشأ الحوثيون شبكة متكاملة من "الشركات الوهمية" للتحايل على العقوبات، تشمل شركات تجارية تعمل في الاستيراد والتصدير، ومسجّلة بأسماء أشخاص لا تربطهم علناً بالجماعة، وغالباً ما يكونون رجال أعمال مهاجرين أو واجهات قانونية صورية.
كما لجأ الحوثيون إلى تشغيل شركات صودرت من أصحابها الشرعيين، بعد انقلاب 2014، مع الحفاظ على سجلاتها التجارية القديمة لتجنّب إثارة الشبهات، وتعيين عناصر موالية في مجالس إدارتها. بعض هذه الشركات، التي تتمتع بتاريخ مالي نظيف، استُخدمت في تمرير صفقات تجارية تتعلق بالمواد المحظورة أو ذات الاستخدام المزدوج، بما فيها معدات الاتصالات والطباعة والنقل.
هذه البنية المالية السرية مكّنت الحوثيين من تمويل تحالفهم مع التنظيمات الإرهابية، وتوجيه موارد ضخمة، بعضها مصدره الجبايات والإتاوات غير القانونية على الوقود ورسوم عبور السفن في البحر الأحمر، إلى أنشطة زعزعة الاستقرار. كما أتاح لهم ذلك دعم داعش في مأرب عبر تجار مثل علي مهدي السوادي، وتمويل خلايا استخباراتية وعمليات تخريب في المحافظات المحررة.
وتظهر التقارير أن الحوثيين طوّروا نموذجاً اقتصادياً مزدوجاً يندرج ضمن خداع علني للنظام المالي العالمي، وسري لتمويل الحرب والإرهاب، في تجاوز واضح للعقوبات الدولية.
كشف
تقرير أممي من 537 صفحة يغطي الفترة بين سبتمبر 2023 ويوليو 2024 أن حزب الله هو أحد أبرز الداعمين للحوثيين، عبر توفير الاستشارات والتمويل والتدريب على استخدام السلاح والتقنيات العسكرية. كما ساعدهم في إدارة الدعاية الإعلامية وتنظيم موارد مالية عبر شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات والمواد المحظورة.
ويشير التقرير الأممي إلى أن الحوثيين جمعوا نحو 994 مليار ريال يمني كرسوم جمركية غير قانونية على الوقود بين أبريل 2022 ويونيو 2024، كما جَنوا نحو 180 مليون دولار شهرياً من رسوم عبور السفن في البحر الأحمر. واستخدمت هذه الإيرادات لتمويل عملياتهم وتحالفاتهم.
تشير تقارير
مركز سوفان ومجلس الأمن إلى أن التعاون بين الحوثيين والقاعدة وحركة الشباب الصومالية بات يشكّل تهديداً مباشراً للملاحة الدولية، وورقة ضغط تستخدمها إيران وروسيا ضد المصالح الأميركية في البحر الأحمر.