مجتمع

السياحة في أفغانستان.. نافذة لشرعنة حكم طالبان؟

نشر
blinx
رغم التحذيرات الصادرة عن حكومات غربية، وعلى رأسها وزارة الخارجية الأميركية التي تنصح مواطنيها بعدم السفر إلى أفغانستان بسبب "الاضطرابات، الجريمة، الإرهاب، خطر الاعتقال التعسفي، والافتقار للخدمات الصحية"، يتزايد عدد السياح الأجانب المتجهين إلى هذا البلد المعزول، وفقا لتقرير نشرته وكالة أسشييتد بريس.
فقد زار أفغانستان نحو 9 آلاف سائح أجنبي في عام 2024، فيما استقبلت البلاد قرابة 3 آلاف سائح خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 فقط، بينهم مغامرون من دول مختلفة، بالإضافة إلى مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يوثقون مناظر البلاد الطبيعية، وتراثها الثقافي، وحياة سكانها وأسواقها، بل ويصل بعضهم إلى تصوير مقاتلي طالبان وهم يحملون بنادق الكلاشينكوف.

السياحة في أفغانستان.. نافذة لشرعنة حكم طالبان؟ (أ.ف.ب)

وفيما تُحذِّر الدول، ترحب حركة طالبان بهؤلاء السياح. فقد صرّح نائب وزير السياحة قدرة الله جمال لوكالة أسوشيتد برس قائلاً: "الشعب الأفغاني ودود ومضياف، ويرغب في استضافة السائحين والتواصل معهم"، مضيفاً أن "السياحة تجلب منافع كثيرة لأي دولة، ونحن على دراية بتلك المنافع ونسعى لأن تستفيد دولتنا منها".

الترويج للسياحة كأداة سياسية واقتصادية

في ظل العزلة الدولية والعقوبات التي تواجهها طالبان، أصبح الترويج للسياحة إحدى الوسائل النادرة لجذب العملة الأجنبية وتحسين صورة الحركة.
فبحسب إذاعة أوروبا الحرة، تحاول طالبان استغلال الاهتمام العالمي بالسفر إلى أفغانستان لإبراز استقرارها الأمني منذ سيطرتها على البلاد في 2021.
وعلى عكس الصحافيين والمنظمات الحقوقية، ترى حركة الطالبان أن المؤثرين الأجانب، خصوصاً من يملكون قنوات على يوتيوب، يساهمون في هذا الترويج غير المباشر، بحيث لا يسعون إلى إثارة الجدل، ولذلك يتم توجيههم إلى مناطق بعينها حيث يمكنهم تقديم رواية "إيجابية". وتستخدم الحركة بدورها هذه المقاطع بشكل نشط على منصاتها الاجتماعية.
لكن الباحثة البريطانية-الأفغانية نزيقة حقبال تحذر من أن "الحقيقة تحت حكم طالبان قاسية ومظلمة"، وتضيف: "اليوتيوبرز لا يخضعون لأخلاقيات الصحافة، ما يجعل من السهل على طالبان استغلالهم".
شهدت السياحة الداخلية أيضاً انتعاشاً ملحوظاً. ففي عطلة عيد الفطر، زار نحو 200 ألف أفغاني ولاية باميان وحدها، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء خامه برس الأفغانية عن المتحدث باسم حاكم الولاية صبور فرزان سجاني، الذي أشار إلى أنّ السلطات المحلية راقبت الخدمات لتحسين التجربة السياحية.

من تدمير التماثيل إلى بيع التذاكر

من أبرز المفارقات في المشهد السياحي بأفغانستان اليوم، أن حركة طالبان التي فجّرت تماثيل بوذا الشهيرة في ولاية باميان عام 2001، باتت اليوم تبيع التذاكر للزوار الراغبين في مشاهدة موقع الدمار ذاته، بل وتوفّر لهم مرشدين سياحيين من عناصرها.
وقالت الباحثة فَرخُندة أكبرى، التي فرت عائلتها من البلاد في عهد طالبان الأول، إن "من المفارقة أن نشاهد مرشدين من طالبان يرافقون السياح لرؤية آثار الدمار الذي تسببت به حركتهم"، وذلك في تصريح نقلته عنها شبكة بي بي سي.

السياحة في أفغانستان.. نافذة لشرعنة حكم طالبان؟ (رويترز)

ويذكر موقع القنصلية العامة لأفغانستان بكندا أنه قبل اندلاع الحروب المتعاقبة التي عصفت بأفغانستان، كانت البلاد تستقبل نحو 90 ألف سائح أجنبي سنوياً في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يعكس تاريخاً طويلاً من الانفتاح على العالم. ورغم هذا الماضي، لا تزال غالبية دول العالم اليوم تمتنع عن الاعتراف الرسمي بحكم طالبان، في ظل انتقادات واسعة لسجلها الحقوقي، لاسيما تجاه النساء، وسيطرتها على البلاد بالقوة منذ عام 2021.

التناقض في التعامل مع النساء

رغم القيود الشديدة التي تفرضها طالبان على النساء الأفغانيات، من منعهن من العمل والتعليم وحتى من زيارة المتنزهات الوطنية مثل بند أمير، فإن هذه القيود لا تُطبّق على السائحات الأجنبيات بحيث يُسمح لهن بزيارة المواقع التاريخية والمتنزهات الوطنية شرط الحصول على تصاريح رسمية.
تقول الشابة أريزو من ولاية باميان: "بينما يُرحَّب بالأجنبيات في المتنزهات، نُمنَع نحن من التمتع بجمال بلادنا"، وفقا لما نقلته عنها إذاعة أوروبا الحرة. وأضافت زَالا، وهي ربة منزل في كابل: "لقد حرمونا من أبسط حقوقنا، ومن السياحة والترفيه داخل وطننا".
رغم السماح للسائحات الأجنبيات بزيارة المواقع التاريخية والمتنزهات، إلا أن ذلك لا يعني غياب القيود بالكامل، إذ تُفرض عليهن أحياناً ضوابط غير مألوفة. ففي إحدى اللقطات التي وثّقها اليوتيوبر الفلسطيني "ابن حتوتة"، طُلب من سائحة كانت تجلس لوحدها في المقعد الأمامي للسيارة أن تنتقل إلى المقعد الخلفي، لتجلس بجانب رجلين، امتثالاً لقواعد اجتماعية يفرضها عناصر طالبان.
وفي موقف آخر، قادت السائحة واليوتيوبر البريطانية إيما ويترز سيارتها بنفسها خلال مرورها من نقطة تفتيش تابعة لطالبان في ولاية غزني، وتوقعت أن يتم منعها بسبب جنسها، لكنها فوجئت بأنهم سمحوا لها بالمرور دون اعتراض.

الجدل الأخلاقي لدى بعض السياح

يرى بعض الزوار أن زيارتهم لأفغانستان تمثل تجربة فريدة، فيما عبّر آخرون عن صراع أخلاقي حيال دعمهم الضمني لنظام يجرد النساء من الحقوق الأساسية.
تقول الدكتورة فَرخُندة أكبرى، الباحثة في جامعة موناش الأسترالية: "نعم، هناك أزمة إنسانية. قد يشتري السائح شيئاً من متجر ويدعم أسرة فقيرة، لكن بأي ثمن؟ إنهم يطبّعون حكم طالبان". وتضيف في تصريحها لشبكة بي بي سي: "يتم تبييض معاناتنا بتلك المشاهد الزائفة التي تروجها طالبان".
لكن بعض الزوار، مثل ساشا هيني من بريطانيا، ترى أن السياحة تتيح فهماً مباشراً ومعمقاً للواقع: "أحب أن أرى الأمور بعيني وأكوّن حكمي الشخصي". وتقول الأستاذة مارينا نوفيللي من جامعة نوتنغهام: "السياحة قد تكون وسيلة للسلام وتبادل الثقافات". محذرة من معاناة النساء "تُغطّى بتلك اللمسات الزائفة من الأمان التي تسعى طالبان لإظهارها".

عوامل الجذب.. الطبيعة الخام والتاريخ العميق

ما يجذب الزوار إلى أفغانستان ليس فقط مناظرها الطبيعية من جبال شاهقة وبحيرات فيروزية، بل أيضاً قصتها التاريخية كلعبة شطرنج جيوسياسية، وفقا لمعهد السياسات الأمنية والتنموية. فهي تعرف بـ "مقبرة الإمبراطوريات" من الإسكندر الكبير إلى الغزو الأميركي، ما يدفع الزوار إلى استكشافها والتعرف إلى شعبها.
وتكمن جاذبيتها أيضا، حسب بي بي سي، في كونها وجهة "خام" لا تضم منتجعات فاخرة أو فنادق خمس نجوم، ما يمنح الزائر تجربة أصيلة وفريدة من نوعها.
تقول هيني: "لا يوجد مكان أكثر عراقة من أفغانستان... إنها تجربة حقيقية". أما الشاب الأميركي هيرسكوفيتز، فيشير إلى ميزة فريدة: "في أفغانستان، يمكنك الجلوس في موقع أثري لوحدك تماماً، بينما في روما أو اليونان يُحيط بك الآلاف"، بحسب ما نقلته عنه شبكة سي إن إن.
السياح يستمتعون بالتجول في أسواق كابل النابضة، والسباحة في بحيرات بند أمير، واستكشاف فنون بوذية في باميان، والتمتع بالضيافة الأفغانية التي باتت مشهورة عالمياً.

طفرة في التوظيف والتدريب السياحي

مع ارتفاع أعداد السياح، برزت الحاجة لتوفير خدمات مهنية. فباتت كابل تحتضن دورات تدريبية في الضيافة بموافقة طالبان، يشارك فيها شبان يرغبون في العمل في هذا المجال الجديد، وفقا لقناة سي إن بي سي.
يقول الدليل السياحي روح الله، الذي ترك وظيفته في وزارة المالية بعد "التغيير" عام 2021: "السياحة تخلق وظائف كثيرة، ونحتاج إلى سائقين ومرشدين". ويضيف: "هذا وقت سلمي، لم يكن بالإمكان زيارة معظم المناطق سابقاً".
وتزدهر أيضاً شركات تنظيم الجولات السياحية. يقول إحسان باركزاي، مؤسس شركة "ديستينيشن أفغانستان" لشبكة سي إن إن: "البوابة فُتحت وأصبح الجميع يأتون". وقد نظّم جولات لنحو 130 سائحاً في 2023، معظمهم من الصين وألمانيا وكندا وأميركا، مؤكداً أن الكثيرين تعرفوا على أفغانستان من خلال يوتيوبرز.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة